جامع العرب الذي رُفع فيه أول أذان بمدينة إسطنبول ايام الدولة الأموية
بين أزقة حي “قرة كوي” الضيقة على الشق الأوروبي من إسطنبول، يبرز جامع العرب كمعلم تاريخي يلخص عراقة المدينة التي احتضنت حضارات عدة على مر القرون.
الجامع الذي يقع في منطقة قريبة من خليج القرن الذهبي، شهد رفع أول أذان بمدينة إسطنبول، إبان الحكم البيزنطي.
وبنى الجامع قادة عرب إبان الدولة الأموية أثناء حصارهم المدينة (القسطنطينية)، التي كانت آنذاك عاصمة البيزنطيين الحصينة، ودفن إلى جانبه جثمان “مسلمة بن عبد الملك”، الذي توفي هناك عام 738 ميلادية، وما يزال ضريحه قائما إلى اليوم.
وخاض الأمير الأموي الكثير من المعارك والغزوات والحملات العسكرية على الإمبراطورية الرومية البيزنطية والخوارج والجراجمة، وقد شملت فتوحاته وحروبه 7 بلدان، هي: تركيا، روسيا، داغستان، جورجيا، أرمينيا، أذربيجان، والعراق.
بعد تراجع المسلمين عن مواقعهم المتقدمة نحو المدينة، حوّل البيزنطيون الجامع إلى كنيسة، ثم أعيد تحويله إلى جامع إثر “الفتح”، بأمر من السلطان محمد الفاتح، عام 1453.
والذي كان يفصل الجيوش العربية عن القسطنطينية، وغير بعيد عن برج “غلاطة” الشهير وميدان تقسيم السياحي.
ويتناقل الأتراك روايات مختلفة لقصة الجامع، وتقول أكثرها تداولا إن الجيش بقيادة مسلمة بن عبد الملك وعدد من القادة العرب وبعض أبناء الصحابة حاصروا البيزنطيين سنة 95 للهجرة (713 للميلاد) عاما كاملا من البر والبحر.
ولم يتمكن الجيش من فتح القسطنطينية وقتها، لكنه سيطر على منطقة “غلاطة” الشهيرة، وإثر ذلك تم عقد اتفاق بين الجيش الإسلامي والإمبراطور البيزنطي “ليون” ينص على بناء جامع في المنطقة.
وأدى المسلمون عباداتهم في الجامع مدة سبعة أعوام تقريبا، انتهت بتراجع الجيش الإسلامي إلى بلاد الشام.
تحول الجامع بعد مغادرة الجيش الإسلامي بمدة طويلة إلى كنيسة لأتباع مذهب “الدومانيك”، وأصبح تابعا لروما الغربية وسمي بـ “سالن بالو”.
وفي عام 1453 تمكن العثمانيون من فتح القسطنطينية، وتم تحويل الكنيسة إلى جامع مرة أخرى وبنوا له منبرا.
ويمتاز الجامع اليوم بعمارة أندلسية فريدة من نوعها في تركيا، وتشبه منارته المربعة تلك المشاهدة في جوامع المغرب العربي اليوم، ولا توجد له قبة على خلاف المساجد العثمانية التقليدية، فسطحه منبسط ومستطيل الشكل، ما يشير إلى احتمال أن يكون مهاجرون من الأندلس قد شيدوه، على خلاف الرواية المشار إليها سابقا، ، بحسب تقرير لموقع “عربي 21.”
ولعل أكثر ما يشدك فيه وجود ممر أسفل مئذنته المربعة يؤدي إلى الفناء الداخلي للجامع، أما الهيكل الخارجي فهو مبني من الحجر والطوب بينما تم كساء الفناء الداخلي بالأخشاب بشكل كامل، ويحمل سقفه الداخلي 22 عمودا خشبياً.
جدير بالذكر أن الجامع الذي سمته الدولة العثمانية بـ “جامع العرب”، خضع لعدة عمليات توسيع وترميم على يد كل من والدة السلطان محمود الأول، وزوجة السلطان مصطفى الثاني، وابنة السلطان محمود الثاني، تم خلالها إنشاء مقصورة للسلطان، وسبيل ماء، ومتوضأ، وصهريج.
المصدر: turkpress