هل تُلمح تركيا للسيطرة على جزيرة ميس اليونانية عسكرياً؟
في خطوة تحمل رسائل سياسية وعسكرية واضحة، قام وزير الدفاع التركي خلوصي أكار برفقة قادة القوات البرية والبحرية والجوية، السبت، بزيارة مفاجئة إلى مقر قيادة القوات البحرية الخاصة “الضفادع البشرية” والمعروفة باسم “أبطال كارداك” وهو الاسم الذي يدل على الوحدة الخاصة التي نفذت عملية السيطرة على جزيرة كارداك اليونانية القريبة من السواحل التركية عام 1996 بعدما سلحت اليونان الجزيرة منزوعة السلاح قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق ينص على سحب قوات البلدين ونزع فتيل الأزمة التي كادت أن تتحول إلى حرب بين البلدين.
والأحد، ذهب أكار برفقة قادة الجيش إلى منطقة كاش التابعة لولاية أنطاليا التركية والمقابلة تماماً لجزيرة “ميس” اليونانية التي تبعد أقل من كيلومترين عن السواحل التركية وتعتبر محور الخلاف الرئيسي بين البلدين حيث تريد اليونان رسم حدودها البحرية انطلاقاً من الجزيرة، وهو ما تعتبره تركيا محاولة لمحاصرتها في سواحلها وابتلاع شرق البحر المتوسط من قبل اليونان، كما اشتعلت أزمة جديدة بين البلدين بسبب اتهام أنقرة لأثينا بتسليح الجزيرة “المنزوعة السلاح” بموجب الاتفاقيات الدولية.
وفي خطوة تحمل رسائل رمزية كبيرة أيضاً، شارك أكار وقادة الجيش في حفل تأبين ضابط في الجيش العثماني يدعى “مصطفى أرتغرول” تقول تركيا إنه نجح في الحرب العالمية الأولى في تدمير أول حاملة طائرات في التاريخ كانت تعود لبريطانيا مقابل جزيرة ميس، قبل أن ينجح في تدمير سفينتين حربيتين تابعتين لفرنسا مقابل منطقة “كمار” بولاية أنطاليا إبان الحرب العالمية الأولى أيضاً.
هذه الرسائل الحربية المتلاحقة والتي تدور جميعها حول تاريخ المواجهات العسكرية في جزيرة ميس بشكل خاص والجزر اليونانية القريبة من السواحل التركية بشكل عام، عززت التكهنات السابقة بإمكانية لجوء تركيا إلى عملية عسكرية ضد الجزيرة اليونانية في حال تصاعد التوتر بين البلدين لا سيما وأن أنقرة تحركت عسكرياً سابقاً في البحر المتوسط حديثاً مرتين، الأول ضد جزيرة قبرص عام 1974، والثانية ضد جزيرة كارداك عام 1996.
وعلى الرغم من أن هذه التطورات جاءت بالتزامن مع تأكيد وزير الدفاع التركي “رغبة بلاده في الحوار وحسن الجوار”، وسحب تركيا سفينة التنقيب “أوروتش رئيس” من المنطقة المتنازع عليها والتي كانت أبرز محطات الخلاف بين البلدين، إلا أنها مؤشرات غير كافية للتأكد بعد من نجاح الجهود الدبلوماسية التي تقودها ألمانيا والناتو مؤخراً، لا سيما وأن بعض الخبراء اعتبروا أن خطوات كهذه تأتي أحياناً تمهيداً لتصعيد عسكري متوقع وليس بالضرورة تعبيراً عن حصول تقدم نحو الحل الدبلوماسي.
وتصاعد التوتر بين تركيا واليونان حول جزيرة “ميس” منذ نهاية الشهر الماضي حيث اتهمت تركيا اليونان بتسليح الجزيرة “منزوعة السلاح” وتسربت صور لوصول قوات يونانية مدججة بالأسلحة إلى الجزيرة التي تقع على بعد 2 كيلومتر فقط من اليابس التركي و580 كيلومتراً من اليابس اليوناني الأساسي، وتؤكد أنقرة أنها منزوعة السلاح بموجب الاتفاقية الدولية وأن إرسال اليونان قوات إلى هذه الجزيرة يمثل تهديداً للأمن القومي التركي، ووصفت هذه الخطوة بـ”الاستفزازية” وهددت بالتحرك حيث قال وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو: “إذا تجاوز حجم التسليح حده فإن اليونان ستكون هي الخاسرة”.
لكن اليونان لم تتوقف عن خطواتها التي وصفتها تركيا بـ”الاستفزازية”، حيث زارت رئيسة اليونان كاترينا ساكيلاروبولو، الأحد، الجزيرة في خطوة غير مسبوقة وذلك للمشاركة في احتفالات نقل السيطرة على الجزيرة من القوات الإيطالية لليونان إبان الحرب العالمية الثانية قبل نحو 77 عاماً، ووصلت الرئيسة اليونانية للجزيرة على متن مروحية عسكرية ترافقها 4 طائرات حربية واستقبلت بالجزيرة بمراسم عسكرية من قبل جنود مدججين بالأسلحة، في استعراض مسلح غير مسبوق على بعد مئات الأمتار فقط من السواحل التركية وفي جزيرة يفترض أنها “منزوعة السلاح”.
والخلاف على تسليح الجزر اليونانية القريبة من السواحل التركية وآخرها جزيرة “ميس” الأقرب على اليابس التركي أعاد إلى الذاكرة بقوة أبرز الصدامات العسكرية التي جرت بين البلدين في بحر إيجه وشرق المتوسط والتي كان أبرزها العملية العسكرية التركية ضد جزيرة “كارداك” عام 1996 وسط تكهنات بإمكانية لجوء تركيا إلى عملية مشابهة لإجبار اليونان على سحب قواتها من الجزيرة منزوعة السلاح.
وإلى جانب الخلاف حول التسليح، تعتبر الجزيرة محور الخلاف الأساسي على الحدود البحرية، حيث تطالب اليونان برسم حدودها البحرية انطلاقاً من الجزيرة وهو ما يعني السيطرة بشكل شبه تام على شرق البحر المتوسط وحرمات تركيا من عمق بحري في المنطقة، وهو ما ترفضه أنقرة تماماً وتؤكد أن الجزيرة لا يمكن أن يكون لها جرف قاري على غرار اليابس الأساسي للدول وأكدت مراراً بأنها لن تسمح بفرض هذه الرؤية كأمر واقع على الأرض.
وفي ظل هذه الأجواء المتوترة تتصاعد مطالبات داخلية في تركيا بالقيام بعملية مشابهة لما جرى في جزيرتي قبرص وكارداك في السابق والسيطرة على جزيرة ميس لإنهاء خطر تسليح اليونان للجزيرة القريبة جداً من تركيا وإنهاء المطالبات اليونانية بجرف قاري للجزيرة، لا سيما وأن الشعب التركي بكافة توجهاته السياسية يجمع على أن الجزر اليونانية القريبة من السواحل التركية وأبرزها “ميس” هي جزر تركية خالصة انتزعت منها “ظلماً” في الظروف التي مرت بها البلاد عقب انهيار الدولة العثمانية.
وكان نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي هدد بالقول: “أثينا تمضي في مغامرة سيدفع ثمنها الشعب اليوناني دون أن يدري، داعيا إياه “للوقوف في وجه الحكومة ومحاسبتها جراء ذلك”، مضيفاً: “جزيرة ميس تبعد عن سواحلنا 2 كم، وجزيرة ساكيز تبعد 1 كم عن إزمير، فيما تبعد مئات الكيلومترات عن أثينا”، مؤكدا أن “تركيا ترفض هذه الخريطة، وترفض كل من يفكر بها، ومستعدة لتدوسها وقت الضرورة”.
وعلى الرغم من أن السيطرة على الجزيرة يمكن أن تتم بعملية عسكرية صغيرة كون الجزيرة ساقطة عسكرياً، إلا أن الأمر لا يتعلق على الإطلاق بقدرة الجيش التركي على السيطرة عليها عسكرياً وإنما بتبعات أي تحرك من هذا القبيل كون خطوة كهذه يمكن أن تتحول إلى شرارة مواجهة عسكرية واسعة ومقاطعة عسكرية وسياسية واقتصادية واسعة من أوروبا وأمريكا وعلى مستقبل تركيا داخل حلف الناتو، وهي تبعات خطيرة تجعل من هكذا خطوة صعبة وبحاجة إلى حسابات واسعة ودقيقة، لكن التاريخ يقول إن تركيا تحركت في أجواء مشابهة مرتين عسكرياً في السابق (قبرص 1974) و(كارداك 1996) وهي الأدلة التاريخية التي تجعل الباب مفتوحاً أمام كافة الاحتمالات.
المصدر: القدس العربي