الاحتجاجات الشعبية في بيلاروسيا تحذّر الكرملين من دعم الدكتاتور: لسنا منطقة روسية
يخرج البيلاروسيون إلى الشوارع بالآلاف كل يوم منذ انتخابات 9 آب/ أغسطس المتنازع عليها، مطالبين الزعيم الاستبدادي، ألكسندر لوكاشينكا بالتنحي بعد تصويت زعموا أنه تم تزويره لمنحه فوزاً ساحقاً على مرشح معارض حصل على دعم غير مسبوق قبل الاقتراع.
وركزت الاحتجاجات على القضايا المحلية، وبالتحديد مستقبل لوكاشينكا، الذي تمسك بالسلطة لمدة 26 عامًا من خلال قمع المعارضة وخنق وسائل الإعلام وإجراء سلسلة من الانتخابات والاستفتاءات التي اعتبرها المعارضون والمراقبون الدوليون غير ديمقراطية.
لكن في 3 سبتمبر/ أيلول، كان هناك شيء جديد وفقًا للمراقبين؛ وسط الأعلام ذات الخطوط الحمراء لأول جمهورية بيلاروسية مستقلة – الرمز الرئيسي لمعارضة لوكاشينكا – كانت هناك علامات على المشاعر المعادية للكرملين ورسائل تحذر موسكو من التدخل في شؤون جارتها الغربية الأصغر منها بكثير.
رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها “نحن بيلاروسيا، ولسنا منطقة روسية” و “بوتين، مع من أنت؟” وفقًا لقناة نيكستا ومعهد دراسة الحرب (ISW) ومقره واشنطن، وهو مركز أبحاث يراقب الأحداث في بيلاروسيا.
وبحسب تقرير مطول نشره “راديو فري يوروب” للكاتب، توني ويسولوسكي، فقد تحول لوكاشينكا، الذي اتهم الكرملين قبل فترة وجيزة من انتخابه بإرسال مرتزقة إلى بيلاروسيا لإثارة الاضطرابات، إلى حليفه التقليدي للحصول على الدعم، وسط إدانة الدول الغربية لما يعتبره الكثيرون تصويتًا مزوراً والقمع الدموي للاحتجاجات المستمرة بعد الانتخابات.
كما أعرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي دفع لفترة طويلة لوكاشينكا المتذبذب لقبول تكامل أوثق بين البلدين، عن دعم أقوى للزعيم البيلاروسي – مستغلاً، كما يقول المحللون، موقف لوكاشينكا الأضعف.
أعقبت احتجاجات سبتمبر/ أيلول اجتماعاً في وقت سابق من اليوم نفسه في مينسك بين لوكاشينكا ورئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، الذي أفاد بأنه تم إحراز تقدم نحو تكامل أعمق تحت رعاية “دولة الاتحاد” الروسية البيلاروسية التي تم إنشاؤها في التسعينيات ولكنها فعلياً حبر على الورق.
زعم ميشوستين أنهم ماضون قدماً في إضفاء الطابع الرسمي على “مجلس وزراء الاتحاد” لغيرها من “الإجراءات الاقتصادية”، وزعم الكرملين أن لوكاشينكا قال إنه “سيضع النقاط على الحروف”على اتفاقيات دولة الاتحاد” الحساسة جداً والمؤلمة “في اجتماع قادم مع بوتين في موسكو.
الضغط نحو دولة الاتحاد
امتنع لوكاشينكا في الماضي عن اتخاذ تدابير مثل إنشاء عملة مشتركة، وأثارت هذه الملاحظات ناقوس الخطر بين معارضي التكامل الوثيق.
شجبت زعيمة المعارضة، سياتلانا تسيخانوسكايا، التي زعمت أنها فازت في انتخابات 9 أغسطس بنسبة 60 إلى 70 في المائة من الأصوات، الاجتماع. وصرحت تسيخانوسكايا، الموجودة الآن في ليتوانيا بعد وصولها إلى الدولة المجاورة بعد فترة وجيزة من الانتخابات في ظل ظروف غير واضحة، أن سيادة بيلاروسيا لا يمكن أن تصبح ورقة مساومة وأنها تشك في أن “أي قرارات واتفاقيات قد يوقعها لوكاشينكا سيتم الاعتراف بها من قبل حكومة جديدة ” – تعني حكومة ما بعد لوكاشينكا.
وحذرت تسيخانوسكايا شأنها شأن زعماء المعارضة الآخرين الغرباء من رؤية الاضطرابات البيلاروسية من منظور المواجهة الجيوسياسية بين موسكو والغرب، وصرحت سابقاً لـراديو فري يوروب RFE / RL أن المعارضة البيلاروسية ليس لديها مشاكل مع روسيا، لكنها دعت جميع الدول إلى احترام سيادة بيلاروسيا وإرادة الشعب.
أصدرت نيكستا، التي وثقت الاحتجاجات وساعدت في تنسيقها، منشوراً في 3 سبتمبر/ أيلول بعنوان “دع [حكومة لوكاشينكا] تجري العديد من المفاوضات مع الكرملين كما تشاء، لكن الشعب فقط هو الذي يقرر كل شيء”. أعادت القناة أيضاً مشاركة شجب تسيخانوسكايا لاجتماع لوكاشينكا مع ميشوستين.
وكتب جورج باروس من معهد دراسة الحرب “لم تصور نيكستا في السابق الكرملين على أنه خصم المعارضة البيلاروسية”.
وبحسب نايجل جولد ديفيز، السفير البريطاني السابق في بيلاروسيا والزميل البارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، فإن علامات المشاعر المعادية لموسكو بين المحتجين “كانت مهمة جدًا ويمكن التنبؤ بها (في الواقع، كانت متوقعة)”.
كما قالت هنا بارابان، الصحفية والمحللة البيلاروسية، إن “التركيز الرئيسي للمحتجين يظل على العديد من القضايا السياسية المحلية”.
وقال بارابان لـ RFE / RL عبر البريد الإلكتروني: “بالطبع، بعض الناس غير راضين عن تصرفات روسيا أو الغرب، لكن هذه الحالة المزاجية لا تأخذ مكاناً فعلياً في الأجندة السياسية للمحتجين”.
لوكاشينكا على مقود قصير
تشير المؤشرات إلى أن لوكاشينكا قد يتراجع لإرضاء الكرملين، كما بدأت تصريحات الحكومة الروسية تشير إلى ذلك.
اتهم لوكاشينكا أوكرانيا في 3 سبتمبر بدعم المظاهرات في بيلاروسيا، بعد يوم من ادعاء وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، دون دليل، أن 200 أوكراني من النازيين الجدد يعملون في بيلاروسيا.
وخلال لقائه مع ميشوستين، دعم لوكاشينكا أيضاً مزاعم الكرملين بأن زعيم المعارضة أليكسي نافالني الذي يعالج الآن في ألمانيا لم يتم تسميمه في روسيا، بالرغم من اكتشاف الأطباء أنه تسمم في روسيا بمادة سامة تم تطويرها في الاتحاد السوفيتي.
كما يرى المحلل الأوكراني يفهين ماهدا المدير التنفيذي لمركز العلاقات الاجتماعية في كييف أن الكرملين يتحكم بلوكاشينكا الذي يردد كالببغاء أفكار وكلمات وزير الخارجية الروسي لافروف.
ويرى آخرون أن روسيا تبذل المزيد من الجهود لإبقاء بيلاروسيا مطيعة. اختار لوكاشينكا في 3 سبتمبر إيفان تيرتل لرئاسة لجنة أمن الدولة – التي لا تزال تسمى الكي جي بي – ليحل محل فالير فاكولتشيك.
ووفقًا لمارك جالوتي الخبير في وكالات الأمن الروسية وزميل مشارك كبير في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومقره بريطانيا، فإن لتيرتل علاقات وثيقة مع جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) بينما كان فاكولتشيك “حارس شرس ضد اختراق موسكو”.
وجاء التعديل وسط تقارير تفيد بأن جهاز الأمن الفيدرالي ربما يكون ينصح حكومة لوكاشينكا بشأن طرق تفريق الاحتجاجات، كما أفادت بلومبرج، التي أشارت إلى أن طائرة روسية تابعة لجهاز الأمن الفيدرالي قد وصلت إلى مينسك قادمة من موسكو في 18 آب الماضي.
وقال جورج كنت نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية الذي يشرف على السياسة تجاه بيلاروسيا في وزارة الخارجية، في 2 سبتمبر/ أيلول، إن رد الولايات المتحدة وحلفائها سيكون صارماً إذا تدخلت روسيا في بيلاروسيا.
بوتين يلوح بتدخل مباشر
أدلى بوتين بتصريحات يبدو أنها تهدف إلى تحذير المعارضة البيلاروسية والغرب – وطمأنة لوكاشينكا – بأن مثل هذا التدخل يمكن أن يحدث. في 27 آب قائلاً إنه شكل قوة شرطة احتياطية يمكن إرسالها إلى بيلاروسيا إذا لزم الأمر، لكن الوضع حتى الآن لم يصل إلى هذه النقطة.
مدعوماً من قبل الكرملين، يتخذ لوكاشينكا إجراءات أكثر صرامة ضد المتظاهرين المناهضين لحكمه، وفقًا لما ذكره أليكس كوخاروف محلل مخاطر الدول في لندن؛ إذ صرح قال كوخاروف ل RFE / RL: “من الواضح أن لوكاشينكا يتصرف بجرأة أكبر الآن لأنه يحظى بدعم الكرملين”.
بعد أيام من اجتماع لوكاشينكا مع ميشوستين والتعديل الوزاري في الكي جي بي، اعتقلت قوات مكافحة الشغب والشرطة النظامية في بيلاروسيا 600 شخص في مظاهرة “مسيرة الوحدة” في مينسك يوم 6 سبتمبر.
وقال بارابان “كانت هذه أكبر اعتقالات عنيفة في البلاد منذ الاعتقالات خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد الانتخابات”. وقالت إن أحد أهداف لوكاشينكا هو أن يثبت للكرملين أنه “مدعوم بالكامل من قبل جهاز ضخم من قوات الأمن يستحق دعم موسكو أيضًا”.
وأضاف قائلاً “الهدف الثاني هو الإثبات للغرب أن السلطات البيلاروسية ستلعب وفقا لقواعدها الخاصة، غير عابئة بالعقوبات وغيرها من الإجراءات التقييدية المفروضة عليها من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”.
في 7 سبتمبر / أيلول، اختطف رجال مجهولون زعيمة المعارضة ماريا كاليسنيكافا واثنين من موظفيها، أنطون رانديونكاو وإيفان كراتسو. وزادت الدعوات الغربية للإفراج عنها في 8 سبتمبر/ أيلول، بعد أن قال مسؤولون في بيلاروسيا وأوكرانيا إنها احتُجزت بعد إحباط محاولة لإجبارها على مغادرة بيلاروسيا بتمزيق جواز سفرها عند نقطة حدودية.
ووفقًا لكوكشاروف، فإن دعم روسيا يشجع لوكاشينكا بينما يصنع العداء مع سكان بيلاروسيا العاديين الذين سيراقب كثير منهم بقلق لقاء بوتين ولوكاشينكا المرتقب في موسكو في الأيام المقبلة، وهو أول لقاء يجمعهما منذ الانتخابات المتنازع عليها.
ختم كوخاروف: تواصل روسيا فعل ذلك”، “كيف تفقد الأصدقاء وتنفر الناس”.