كيف اختطف محمد بن سلمان ابن عمه سلطان بن تركي الثاني من باريس
نشرت المجلة الأميركية الشعبية “فانيتي فير (Vanity Fair) رواية بقلم الصحفيين برادلي هوب وجاستن شيك، حول كيفية اختطاف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ابن عمه “المزعج” سلطان بن تركي الثاني من باريس إلى الرياض، ليختفي إلى الأبد.
وفيها أن الكابتن سعود كان يجلس على أريكة جلدية في قمرة الطائرة بوينغ 737-800 في باريس، وكان يبدو طيارا. وكان سلوكه واثقا وودودا، وهو يطلق النكات ويعرض صور أطفاله على موظفي أحد كبار الشخصيات المهمة الذي يُفترض أن يسافر إلى القاهرة، وهو أمير سعودي يدعى سلطان بن تركي الثاني.
وكان طاقم طائرة سعود يتكوّن من 19 شخصا، أي أكثر من ضعفي العدد المعتاد. وكانوا جميعهم من الرجال، ليس بينهم الشقراوات الأوروبيات اللواتي يشاركن في العادة في رحلات الديوان الملكي السعودي.
لا تركب هذه الطائرة “إنها فخ”
حذر أحد عناصر الأمن التابعين للأمير سلطان أميره: “لا تركب هذه الطائرة. إنها فخ”.
لكن الأمير سلطان كان متعبا، وقد افتقد والده الذي كان ينتظره في القاهرة. وكان محمد بن سلمان نجل الملك قد أرسل هذه الطائرة. اعتقد سلطان أنه يمكن أن يثق في ابن عمه القوي النفوذ.
سلطان بن تركي الثاني -مثل الأمير محمد- هو حفيد مؤسس المملكة العربية السعودية. ولد سلطان على هامش العائلة المضطرب، وبدا والده تركي الثاني (الذي سُمي بالثاني لأن المؤسس لديه ولدان اسمهما تركي)، وريثا محتملا للعرش حتى تزوج ابنة زعيم صوفي، وهو ما اعتبره العديد من أفراد العائلة المالكة إهانة لإسلامهم المحافظ، ونفوه إلى القاهرة لينتقل إلى فندق هناك حيث مكث سنوات.
ومع ذلك، حافظ سلطان على علاقات مع أقاربه الأقوياء في السعودية، وتزوج ابنة عمه الأمير عبد الله الذي أصبح ملكا، لكنها توفيت عام 1990 في حادث سيارة، وعاش سلطان -البالغ من العمر 22 عاما- بعد ذلك حياة متحررة.
منح سخية للأمراء
وبمنح سخية من عمه الملك فهد، تجوّل سلطان في أوروبا مع حاشية من حراس الأمن وعارضات الأزياء والمساعدين، وكان مقرّبا من عمه فهد، فعندما غادر عمه مستشفى في جنيف بعد جراحة عيون عام 2002، كان سلطان خلف كرسيه المتحرك مباشرة، وهو موقع متميز بين أفراد العائلة المالكة الذين يتنافسون على التقرّب من الملك.
لم يكن لسلطان دور حكومي، لكنه كان يحب أن يُنظر إليه على أنه شخصية مؤثرة، وكان يتحدث للصحفيين الأجانب حول آرائه بشأن السياسة السعودية، متخذا موقفا أكثر انفتاحا من معظم الأمراء، لكنه دائم الدعم للنظام الملكي.
وفي يناير/كانون الثاني 2003، انجرف إلى مسار مختلف، وقال للصحفيين إن على السعودية التوقف عن تقديم المساعدة للبنان، وزعم أن رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يستخدم الأموال السعودية بشكل فاسد لتمويل أسلوب حياة مسرف.
الاختطاف الأول
ولم يكن سلطان أول من اتهم رئيس الوزراء رفيق الحريري بالفساد، وقد انتقد لبنان ولم ينتقد المملكة.
ومع ذلك، كان صدى تصريحه داخل الديوان الملكي مثيرا للغاية، إذ كان لعائلة الحريري علاقات عميقة مع حكام السعودية، وخاصة نجل الملك فهد القوي عبد العزيز. وبدا تصريح سلطان وكأنه موجه لاستعداء عبد العزيز.
وبعد بضعة أشهر، أرسل سلطان بيانا بالفاكس إلى وكالة أسوشيتد برس، قال فيه إنه بدأ لجنة لاستئصال الفساد بين الأمراء السعوديين وغيرهم من الذين “نهبوا ثروة الدولة على مدى الـ25 عاما الماضية”.
وبعد حوالي شهر، أرسل عبد العزيز دعوة إلى سلطان: “تعال إلى قصر الملك فهد في جنيف. دعنا نحسم خلافاتنا”. وفي الاجتماع، حاول عبد العزيز إقناع سلطان بالعودة إلى المملكة، وعندما رفض، انقض الحراس على الأمير وحقنوه بمهدئ، وجرّوه إلى طائرة متجهة إلى الرياض.
كان وزن سلطان حوالي 177 كلغ، وكانت المخدرات أو عملية جرّه وهو فاقد للوعي من أطرافه قد تسببت في تلف أعصابه المتصلة بالحجاب الحاجز والساقين. وقد أمضى السنوات الـ11 التالية داخل وخارج السجون السعودية، وأحيانا في مستشفى حكومي مغلق في الرياض.
وفي عام 2014، أصيب سلطان بإنفلونزا الخنازير وما تلاها من مضاعفات مهددة لحياته. وبافتراض أن الأمير -الذي أصبح الآن شبه مشلول- لم يعد يمثل تهديدا لأحد، سمحت له الحكومة بالتماس الرعاية الطبية في ماساتشوستس، واعتبر سلطان أنه أصبح حرا.
وخلال احتجازه جرت تغييرات كبيرة في الحكم بالسعودية: توفي الملك فهد في 2005، وجاء خليفته عبد الله، وهو أقل تسامحا مع التباهي بالثروة الأميرية، فقلص عبد الله المنح المالية للأمراء.
لم يستوعب التحولات
لكن يبدو أن سلطان لم يستوعب هذا التحول ولا التحول الأكبر في أوائل عام 2015، بعد أن تعافى من مشاكله الصحية الحادة، عندما تولى الملك سلمان العرش. فبدلا من الانزواء والاكتفاء بحياة أقل مستوى، قام بإجراء عملية شفط للدهون وجراحة تجميلية، وعاد لاستئناف حياته المرفهة.
تواصل سلطان مع حراس الأمن والمستشارين القدامى الذين لم يتحدث إليهم منذ اختطافه قبل أكثر من عقد، ولمّ شمل حاشيته، وانطلق إلى أوروبا مثل أمير سعودي في التسعينيات.
ومع حراس مسلحين و6 ممرضات بدوام كامل وطبيب و”صديقات” متناوبات تم توظيفهن من وكالة سويسرية لعرض الأزياء، وغير ذلك، كان سلطان ينفق ملايين الدولارات شهريا، من أوسلو إلى برلين وجنيف وباريس، وكان رواد الموكب الفاخر الحديث يأكلون فقط أفضل الأطعمة ويشربون فقط أفضل أنواع النبيذ.
وبعد بضعة أيام أو أسابيع في المدينة، أمر سلطان الخدم بحزم حقائبه والاتصال بالسفارة السعودية لمرافقته إلى المطار في باريس.
دعوى قضائية
وكان الديوان الملكي يواصل إيداع الأموال في حساب سلطان المصرفي، لكنه أدرك أن هذه المدفوعات ستتوقف في النهاية ولم يكن لديه دخل آخر، لذلك وضع خطة: قرر سلطان أن الحكومة السعودية مدينة له بالتعويض عن إصابات اختطافه عام 2003.
وناشد سلطان الأميرَ محمد بن سلمان الذي لم يكن يعرفه جيدا، فقد حُبس منذ أن كان محمد في أواخر سن المراهقة، لكنه سمع من أفراد عائلته أنه أصبح أقوى شخص في الديوان الملكي، فطالبَه بالتعويض عن إصاباته.
ولم يكن محمد بن سلمان على استعداد لدفع المال لشخص تسبب في مشاكله الخاصة، وهو كثير الشكوى من أوضاعه الشخصية.
وفي صيف 2015، فعل سلطان شيئا غير مسبوق: رفع دعوى قضائية في محكمة سويسرية ضد أفراد من العائلة المالكة، بتهمة الاختطاف.
حذروه من اختطاف آخر
كان أصدقاؤه السعوديون والأجانب قلقين، وحذروه من الاختطاف مرة أخرى، لكن سلطان كان عنيدا وأصرّ على رفع الدعوى. وبدأ المدّعي الجنائي السويسري التحقيق، والتقطت الصحف القصة، وتوقفت مدفوعات سلطان من الديوان الملكي فجأة.
لم يدرك الوفد المرافق لسلطان المشكلة لأسابيع، إلى أن طلب الأمير يوما ما خدمة الغرف في فندقه في سردينيا، ورفض المطعم خدمته، وخطر لأحد أفراد الموكب أن يخبره بالسبب، وقال له: “أنت مفلس تماما”.
أوشك الفندق على طرد الأمير، لكنه لم يكن قادرا على شطب مليون دولار أو أكثر من الفواتير غير المدفوعة من إقامة الأمير التي استمرت أسابيع. وأخبر سلطان موظفيه بأنه سيقنع الديوان الملكي بإعادة مدفوعاته، وأعاد الفندق فتح خط الائتمان.
حاول التفوق على بن سلمان
وقام سلطان بمغامرة، فحاول التفوق على محمد بن سلمان، وأرسل رسالتين مجهولتين إلى أعمامه، فكتب أن شقيقهم الملك سلمان “غير كفء” و”عاجز”، وأنه دمية في يد الأمير محمد، وقال “لم يعد سرا أن أخطر مشكلة في صحته هي الجانب العقلي الذي جعل الملك خاضعا تماما لابنه محمد”.
وكتب سلطان أن محمد فاسد وقام بتحويل أكثر من ملياري دولار من الأموال الحكومية إلى حسابه الخاص. وكتب أن الحل الوحيد هو أن يقوم الإخوة بعزل الملك، و”عقد اجتماع طارئ لكبار أفراد الأسرة لمناقشة الوضع واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإنقاذ البلاد”.
وتم تسريب رسائل سلطان إلى صحيفة الغارديان البريطانية، وعلى الرغم من عدم التوقيع عليها، فإن مسؤولي الديوان الملكي تعرفوا على كاتبها بسرعة.
كان سلطان ينتظر النتائج. ربما سيحاول أعمامه كبح جماح الأمير محمد، أو ربما يعرض محمد عليه المال للتوقف عن إثارة المشاكل. واستنتج سلطان أنه قد يحظى بوضع مثل وضع والده: يمكنه أن يعيش في عزلة ممولة جيدا بعيدا عن أبناء عمومته الأقوياء.
نصب الشراك
وبشكل مثير للدهشة، ظهرت -بعد فترة وجيزة من نشر رسائل سلطان- أكثر من مليوني دولار من الديوان الملكي في حساب سلطان المصرفي، فدفع للفندق وجدد خطط سفره. والأفضل من ذلك، أنه تلقى دعوة من “والده” لزيارة القاهرة بأمل إصلاح علاقتهما، وأخبره “والده” أنه على سبيل المكافأة، سيرسل الديوان الملكي طائرة فاخرة لنقله والوفد المرافق له إلى القاهرة، وكان يبدو أن محمد بن سلمان يسعى لإعادة ابن عمه الضال إلى الحظيرة.
كان موظفو سلطان مذهولين، وقد كان بعضهم موجودا في آخر مرة انتقد فيها سلطان الحريري، إذ وجد نفسه على متن طائرة للديوان الملكي اختطفته هو وموكبه. كيف يمكن للأمير أن يفكر حتى في ركوب الطائرة؟
لكن سلطان بدا حريصا على تصديق أن المصالحة على قدم وساق، وربما كان محمد بن سلمان قائدا من نوع جديد لا يحل نزاعا عائليا بالاختطاف.
أرسل الديوان الملكي الطائرة من طراز 737-800 المجهزة خصيصا (إذ تتسع لـ189 راكبا للاستخدام التجاري)، وأمر سلطان موظفيه بمقابلة طاقم الطائرة ومعرفة الموقف.
لماذا تثق بهم؟
بدا أفراد الطاقم أقرب لمسؤولين أمنيين من كونهم مضيفات، وحذره أحد موظفيه من أن “هذه الطائرة لن تهبط في القاهرة”.
سأله سلطان: “أنت لا تثق بهم؟”، فأجاب الموظف: “لماذا تثق بهم؟”، فلم يجب سلطان. لكنه تردد حتى عرض الكابتن سعود تخفيف مخاوفه بترك 10 من أفراد الطاقم في باريس، كبادرة حسن نية لإظهار أن هذه ليست عملية اختطاف، وكان ذلك كافيا للأمير.
أخبر سلطان الوفد المرافق له أن يبدؤوا حزم الأمتعة. ومع الخدم والممرضات وحراس الأمن و”صديقة” تم توظيفها من وكالة عرض أزياء، كان عدد الحاشية أكثر من 12.
إلى الرياض بدلا من القاهرة
غادرت الطائرة باريس بهدوء، وظل مسار رحلتها إلى القاهرة لمدة ساعتين مرئيا على الشاشات حول المقصورة، ثم ومضت الشاشات وانطفأت.
انزعج موظفو سلطان، وسأل أحدهم الكابتن سعود “ماذا يحدث؟”. وعاد ليوضح أن هناك مشكلة فنية، وأن المهندس الوحيد الذي يمكنه إصلاحها كان من بين أفراد الطاقم الذين تُركوا في باريس، وقال الكابتن لا داعي للقلق.
ومع هبوط الطائرة، أدرك كل من كان على متنها أنها لن تهبط في القاهرة، فلم يكن هناك نهر يتسلل عبر المدينة تحت الطائرة، ولا أهرامات الجيزة، بل كانت مدينة الرياض التي لا تخطئها العين.
ومع ظهور برج الرياض، اندلع الهرج والمرج، وطالب مرافقو سلطان غير السعوديين بمعرفة ما سيحدث لهم وقد هبطوا في السعودية دون تأشيرات وضد إرادتهم. صاح الأمير سلطان ضعيفا ولاهثا “أعطني بندقيتي!”، ثم جلس في صمت حتى حطت الطائرة. لم تكن هناك طريقة للقتال، وقام رجال الكابتن سعود بدفع الأمير إلى أسفل الممر النفاث، إنها المرة الأخيرة التي رآه فيها أي شخص من حاشيته.
ساق حراس الأمن أفراد الحاشية في النهاية إلى فندق مكثوا فيه 3 أيام غير قادرين على المغادرة دون تأشيرات.
وأخيرا، في اليوم الرابع، أحضر الحراس الحاشية إلى غرفة اجتماعات مترامية الأطراف مع طاولة ضخمة في المنتصف كان على رأسها الكابتن سعود، الذي قال لهم: “أنا سعود القحطاني، أنا أعمل في الديوان الملكي”. وطلب منهم التوقيع على اتفاقيات عدم إفشاء، وعرض أموالا على البعض، وإعادتهم إلى بلدانهم.
أسكتت العملية ناقدا مزعجا، وقدمت درسا لأي منشق محتمل في العائلة المالكة.
اكتمال السياق بمحكمة الجبري
وبعد 5 سنوات تقريبا، أصبح السياق الكامل لاختطاف الأمير سلطان أكثر وضوحا في قضية بمحكمة أخرى.
فقد رفع رئيس المخابرات السعودية السابق سعد الجبري -الذي يعيش حاليا في المنفى بكندا- دعوى قضائية ضد الأمير محمد بن سلمان في محكمة أميركية اتحادية قبل حوالي شهر، زاعما أنه حاول قتله على يد فريق يُسمى “فرقة النمر”.
وزعم رئيس المخابرات السابق أن نشأة الفرقة تعود إلى عام 2015، وتقول الدعوى “إن الأمير محمد طلب من الجبري نشر وحدة سعودية لمكافحة الإرهاب في عملية انتقامية خارج نطاق القضاء ضد أمير سعودي يعيش في أوروبا، انتقد الملك سلمان”.
ويزعم الجبري في الدعوى القضائية أنه رفض لأن العملية كانت “غير أخلاقية وغير قانونية” ومسيئة للسعودية، وتقول الدعوى أيضا إن الأمير محمد أنشأ “فرقة النمر” وعيّن القحطاني في السلطة، وبعد عامين، كانت فرقة النمر هي التي تقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في السفارة السعودية بإسطنبول.
المصدر: الجزيرة