هل يستحوذ المتدينين والمناوئين لفرنسا على السلطة في مالي؟
وسط الاحتقان السياسي المتصاعد في جمهورية مالي حيث بات رحيل الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا المطلب الرئيسي بالنسبة للحراك الاجتماعي الذي تأسس في 5 من يونيو انطلاقاً من تحالف متنوع يضم شخصيات دينية وسياسية ومنظمات المجتمع المدني، ويقوده رجل الدين المعروف الإمام محمود ديكو، ومع تزايد زخم هذا الحراك، تساءلت مجلة “لوبوان” الفرنسية: كيف سيترجم النفوذ القوي للإمام محمود ديكو على هذا الائتلاف الواسع الذي يحتج ضد الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا مطالبا ًبرحيله .. وهل المتدينون بصدد الاستيلاء على السلطة في مالي؟
“لوبوان” ، أوضحت أن السمعة التي يحظى بها الإمام محمود ديكو أتت خاصة من خلال النضالات السياسية المختلفة التي خاضها في سياق توليه لرئاسة المجلس الإسلامي الأعلى لمالي (2008-2019)، والتي تميزت بمحاربته لقانون الأسرة وانخراطه في حل الأزمة منذ عام 2012 ، ودوره في الانتخابات الرئاسية لعام 2013، ناهيك عن معارضته للتربية الجنسية في عام 2019 …إلخ. وقد فهم الإمام ديكو أن قوته الفعلية تكمن في قدرته على تعبئة الناس. ومن هنا جاءت هذه البنية ( حراك 5 يوينو) التي توفر له منصة لمواصلة نضاله والاستمرار في التأثير على المشهد السياسي المالي.
وتتابع الأسبوعية الفرنسية التوضيح أنه بالنظر إلى توخي الماليين الحذر فيما يتعلق بالسياسة، فإن المتدينين يظهرون كأشخاص مسؤولين مايزال بإمكان المواطنين الثقة فيهم، وبالتالي فهم الوحيدون القادرون على حشد الشعب في الوقت الراهن. ويبدو أن المعارضة السياسية قد توصلت إلى هذه الملاحظة بشكل جيد للغاية، وقامت هي الأخرى بالتحالف مع الإمام ديكو، فنجح الكل معا، في دعوة الماليين للخروج إلى الشوارع والمطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، وذلك تحت قيادة الإمام محمود ديكو، الذي استطاع توحيد المعارضة خلفه عبر ائتلاف يضم شخصيات دينية وأخرى من كل الطيف السياسي وذات وزن ثقيل، بالإضافة إلى شخصيات معادية لفرنسا، في مقدمتها المحامي منتقا تال وهو حفيد الإمام الكبير الحاج عمر تال الفوتي المعروف بمقاومته لفرنسا. وأيضا، وعمر ماريكو المناوئ للوجود الفرنسي على الأراضي المالية. وحجم التعبئة هذه التي بدأها الإمام محمود ديكو، يجعل منه ، بلا شك ، المعارض الأول للرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا.
ورأت “لوبوان” أن أبرز الانتقادات اللاذعة التي يوجهها أنصار النظام الحاكم للحركة الاحتجاجية، تكمن في أن هذا الحراك يقوده إمام إسلامي سيجعله في خدمة “حلفائه من الجهاديين في شمال ووسط مالي”. وهنا، تشيرُ الأسبوعية الفرنسية إلى أن النقطة الرئيسية التي يمكن ملاحظتها من خلال الأحداث الجارية ، هي أنه في أي حال من الأحوال ، هناك زيادة في الشرعية التي يحظى بها جزء من النخب الدينية على حساب النخب السياسية التي عرفت شعبيتها تراجعاً تدريجياً على مدى العقدين الماضيين.
يبدو – بسحب “لوبوان” – أنه من غير المحتمل سعي الإمام ديكو إلى تولي السلطة بشكل مباشر. كما يبدو أن الأخير قد فهم أن الحركة الاحتجاجية ستنهار عند أدنى شك في رغبته في فرض الشريعة في حالة ترك الرئيس كيتا منصبه. وأيضا، فإن إثارة الموضوع من زاوية دينية بحتة ، يعني ذلك أيضًا التقليل من الطبيعة غير المتجانسة لهذه الحركة الاحتجاجية التي تضم كافة أولئك غير الراضين عن السلطة.
وأوضحت “لوبوان” أنه لا شك في أن للإمام ديكو تأثيرا كبيرا على المشهد الاجتماعي والسياسي في مالي، وقد أثبت ذلك مرة أخرى. ومع ذلك، من غير المرجح أن يحاول تولي السلطة شخصياً. فالمشاركة المباشرة في اللعبة الانتخابية ستسلط الضوء على وزنه السياسي الحقيقي. وبالتالي، فإن إفراز صندوق
الاقتراع لأي نتيجة أقل من التوقعات، فإن ذلك قد يقوض هالته ومكانته.
وتابعت المجلة الفرنسية التوضيح أنه يبدو أن الإمام محمد ديكو ، أيضا، مدرك لحقيقة أن دور المشرف على اللعبة السياسية – الذي يلعبه جيدًا – يناسبه بشكل أفضل من دور الممثل السياسي بمعنى الكلمة. من ناحية أخرى ، سيساهم (كما فعل في الماضي) في دعم الشخصية التي يختارها هو نفسه.
ويبدو ، بحسب “لوبوان، أن المواجهة بين الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا ومعارضه الرئيسي الحالي الإمام محمود ديكو وصلت إلى نقطة اللاعودة. كما أن الوضع الاجتماعي والسياسي الحالي للبلاد بات غامضًا أكثر من أي وقت مضى، في ظل رفض ائتلاف المعارضة حتى الآن “اليد الممدودة” للرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، مطالباً ببساطة باستقالته.
يبقى أن نرى ما إذا كان حل الجمعية الوطنية (أحد العوامل الرئيسية للأزمة) والمحكمة الدستورية (التي صدقت على التزوير الانتخابي عن طريق تنصيب نواب مزيفين)، كما طالبت بذلك المعارضة، سيكون كافياً لخفض حدة التوتر، تختتم مجلة “لوبوان”.
المصدر: القدس العربي