فتيات من الإيغور: في تركيا عرفنا الدين والحرية
يلاحقهم الخوف منذ ولادتهم؛ فأبناء أقلية الإيغور المسلمة في تركستان الشرقية (إقليم شينغيانغ) في الصين، لم يستطيعوا حتى بهروبهم من موطنهم التغلب على مشاعر الخوف التي تحيط بكافة ظروف حياتهم، فما بين خوف في الوطن الأم من ملاحقة الشرطة في حالة كشفهم عن دينهم، والاحتجاز في معسكرات إعادة التأهيل المثيرة للجدل، وصولا إلى الخوف من العودة إلى الصين، أو الترحيل من البلدان التي تستضيفهم بوصفهم طلابا وعاملين أو لاجئين.
وحصلت غالبية من 50 ألف شخص من أقلية الإيغور في تركيا على لجوء سياسي، حسب إحصائيات رسمية في العام 2019، هناك من جاؤوا بتأشيرات دراسة، وآخرون هربا عن طريق ماليزيا.
وتعد تركيا واحدة من الدول الأكثر دفاعا عن أقلية الإيغور، انطلاقا من صلة القرابة التي يرتبط بها القوميون الأتراك مع الإيغور الصينيين، معتبرين إياهم جزءا لا يتجزأ من عائلة تركية عرقية كبيرة ممتدة عبر الحدود، ضمن النطاق الجغرافي المعروف بـ”أوراسيا”، الذي يضم دولا من أوروبا وآسيا تنتشر فيها أقليات الإيغور عبر الحدود، وتجمعهم الديانة الإسلامية واللغة القريبة من التركية (تعد إحدى لهجاتها).
معنى الحرية
ورغم صعوبة رحلة الإيغور من الصين إلى تركيا، فإن صبح نور عمر جان -وهي فتاة من الأويغور تدرس الأدب التركي بإحدى جامعات شمالي تركيا- تؤكد أنها “تستحق وبشدة”.
وقالت إن رغبتها في معرفة معنى الحرية وممارسة شعائر الدين الإسلامي دفعاها لخوض مغامرة الهروب من الصين إلى تركيا قبل نحو 6 سنوات.
وأوضحت صبح نور (27 عاما) “كانت رحلتي إلى تركيا صعبة، استمرت أسبوعين، ذهبت أولا إلى ماليزيا، وهناك تمكنت من الحصول على فيزا لتركيا، لكن قبل إقلاع طائرتي إلى ماليزيا استجوبتني الشرطة الصينية نحو ساعتين، كانوا يريدون معرفة سبب ذهابي إلى ماليزيا”.
وفي المقابل، أشارت جان إلى أن المحظوظين من الأويغور هم من يقيمون خارج إقليم شينغيانغ، لأن مكان سكنهم يسمح لهم بالحصول على فيزا للدراسة أو لزيارة تركيا.
وتابعت “من الصعب جدا أن يتمكّن شخص مقيم في شينغيانغ من استخراج فيزا لتركيا، لكن من يقيمون خارجه ومعه جواز سفر صيني يستطيع ببساطة السفر لا سيما للدراسة”.الحرية التي عرفتها جان في تركيا، عبرت عنها بالقول “هنا أصوم بحرية، وأضيء أنوار منزلي خلال الإفطار والسحور في شهر رمضان من دون قلق، كما أني أصلي وأرتدي ملابسي التي تعبّر عن ديني. لم أزر مسجدا في حياتي حتى بلغت من العمر 21 عاما، لذا وافقت عائلتي على مجيئي إلى تركيا لتعلّم الدين”.
ورغم مشاعر الحرية والاطمئنان التي تتدفق من كلمات جان، فإن خوفا دفينا يعيق استمتاعها بالحياة بعيدا عن قمع الحكومة الصينية.
وأردفت “حتى بعد انتقالي إلى تركيا، ما زلت أشعر بالخوف كلما رأيت شرطيا، أخاف أن يلقوا القبض عليّ لأسباب أجهلها ويعيدوني إلى الصين، كما أني أرى دائما في منامي الشرطة الصينية تلاحقني وتزج بي في أحد معسكراتها”.
ومنذ العام 2017، توالت التقارير الحقوقية والصحفية عن احتجاز الصين الآلاف من أقلية الإيغور في مراكز اعتقال ضخمة أقيمت خصيصا لأجل ما تسميه بكين بـ”إعادة تأهيل الإيغور”، وهي مراكز تعتبرها الصين “تثقيفية تعليمية”، في حين يراها الإيغور مراكز “طمس هوية”، وأدانت وجودها الكثير من المنظمات الحقوقية.
ادعوا لنا
ولأن الخوف شعور مشترك بين أبناء الإيغور، ترى عائشة (22 عاما)، تدرس التمريض، أن مجرد إحساسها بأنها ستغادر تركيا يوما ما هو “واقع يولّد خوفا كبيرا”.
وقالت “جئت إلى تركيا لأتمكن من سماع الأذان، لكن في كل مرة يراودني إحساس بأني قد أخسر فرصة بقائي في تركيا والذهاب إلى هناك (الصين) فيتملكني الخوف”.
وأضافت “أرسلتني عائلتي لدراسة مجال أستطيع من خلاله خدمة أبناء مجتمعي والتعرف على الدين الإسلامي الذي ننتمي إليه”.
غير أن البقاء في تركيا بالنسبة لعائشة مرهون باستمرار وضعها القانوني في البلاد. ومضت قائلة “فقط ادعوا لنا، هذا كل ما يمكن أن تساعدونا به، وإن تمكنتم فقاطعوا البضائع الصينية، واجعلوا صوتنا مسموعا في كل مكان”.
ومنذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، كانت أنقرة هي الحليف الأهم للإيغور بمحاولة مساعدة الدولة الناشئة على الوقوف والاستمرار، كما استمرت تركيا وحتى يومنا هذا في تقديم ملاذ آمن للإيغور الهاربين من الاضطهاد العرقي في الصين.
وفي عام 1965 أسست تريا مجتمعا محليا للإيغور في مدينة قيصري (وسط) حيث يتمركز أغلب الإيغور بتركيا الآن، وتسيطر الصين على إقليم تركستان الشرقية منذ عام 1949.
المصدر: الجزيرة