اليهود الحريديم.. كراهية تاريخية لدولة إسرائيل والعلمانيين عززها فيروس كورونا
أسيل جندي-القدس المحتلة – الجزيرة نت
قبل أيام، وفي الوقت الذي أطلقت فيه إسرائيل صافرات الإنذار في ما تزعم أنه “ذكرى الاستقلال” للوقوف دقيقة حداد وصمت على أرواح قتلاها في الحروب، اعتقلت الشرطة عددا من اليهود المتدينين المتشددين (الحريديم) في حي ميئاه شعاريم بالقدس المحتلة، لرقصهم بالشارع خلال دقيقة الصمت وتمزيقهم للعلم الإسرائيلي وحرقه.
وتخفت الشرطة هذا العام بزي ديني نسائي ورجالي حريدي، وتنقلت بالحي لتتمكن من اعتقال من أقدموا على هذه التجاوزات.
وليست هذه المرة الأولى التي تطفو فيها على السطح الأزمة العقائدية والسياسية بين اليهود المتشددين ودولة الاحتلال من جهة، وبينهم وبين اليهود العلمانيين من جهة أخرى، وأتى فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) ليعمق الأزمة والكراهية بين الأطراف المختلفة.
اليهود المتدينون في سطور
وفقا لبيانات دائرة الإحصاء المركزية لعام 2018-2019، بلغ عدد اليهود المتدينين في إسرائيل مليونا و250 ألفا، وتسكن بالقدس المحتلة النسبة الأكبر منهم بواقع 36% يتوزعون على المذاهب المتزمتة والأقل تزمتا، وأكبر الأحياء التي يسكنها هؤلاء بالقدس هي ميئاه شعاريم الخاص بالحريديم وغئولا وكيرم أبراهام.
ففي مدينة بني براك قرب تل أبيب، يسكن غالبية الحريديم، ويبلغ عددهم نحو 220 ألفا، وفي بيت شيمش بالجنوب يسكن 130 ألفا، وفي موديعين عيليت بين القدس وتل أبيب تسعون ألفا.
وفي مدينة أشدود يقطن نحو 80 ألف يهودي متدين، وفي بيتار عيليت قرب القدس 70 ألفا، وفي مستوطنة العاد 55 ألفا، وفي بيتح تكفا المقامة على أراضي قرية ملبس الفلسطينية يسكن خمسون ألفا، وفي حيفا عشرون ألفا وصفد 25 ألفا، وأخيرا في طبريا يسكن 35 ألفا.
وتخطط الحكومة لإنشاء مدينة جديدة لليهود المتدينين قرب مدينة بئر السبع السنوات الثلاث القادمة.
وستقام المدينة على أراضي قرية تل عراد البدوية وقرى بدوية أخرى من غير المعترف بها، بعد طرد سكانها الفلسطينيين بحجة إقامتهم غير القانونية، وستستوعب المدينة الجديدة التي ستحمل اسم كسيف 100 ألف يهودي حريدي.
وتبلغ نسبة الحريديم 13.6% من سكان الدولة، ويتضاعف عددهم كل عشرة أعوام، ومن المتوقع أن تكون نسبتهم عام 2028 أكثر من الخمس، وعام 2059 ستتخطى نسبتهم 34.6% من إجمالي عدد السكان.
ويبلغ متوسط عدد المواليد بالأسرة الحريدية 10 أطفال فما فوق. ويتزوج 85% من الرجال الحريديم من المجتمع ذاته، ولا يعمل 50% من هؤلاء، ويقضون معظم أوقاتهم في المدارس الدينية، أما النساء فيخرجن للعمل في أماكن قريبة من سكنهن بالمجالات المختلفة.
ويتعلم في المدارس الدينية 300 ألف طالب وطالبة، يشكلون ما نسبته 18% من عدد الطلبة اليهود بشكل عام.
وتتعدد المذاهب التي ينتمي لها اليهود المتدينون، وهم ليسوا طائفة أو حزبا واحدا، ومنهم من انخرط في الأحزاب السياسية كالمنتمين لحزبي شاس ويهيدوت هتوراه.
ويطلق مصطلح حريديم على اليهودي الأرثوذكسي المتزمت دينيا، وتحديدا يهود شرق أوروبا الذين يمتازون بإطلاق لحاهم وتتدلى على آذانهم خصلات من الشعر الطويل.
طقوس غريبة
تحدث عمر مصالحة الباحث بالديانة اليهودية والمجتمع الإسرائيلي للجزيرة نت عن أبرز سمات المجتمع المتدين اليهودي بشكل عام، وعن الحريديم بشكل خاص، فقال إن هذه المجتمعات لا تأتمر إلا لزعيمها الديني، ولا ترضخ للسلطة ولا تعيرها أدنى اهتمام، خاصة أن هؤلاء لا يستخدمون الوسائل التكنولوجية وبالتالي فإنهم لا يشاهدون التلفاز ولا يستمعون للإذاعات كما لا يقرؤون الصحف.
وكان ذلك أحد أهم الأسباب التي عمقت الأزمة بينهم وبين الحكومة خلال جائحة كورونا، وقال مصالحة “قلتُ في وسائل إعلام عدة إن على الأجهزة الأمنية والحكومة عدم التوجه لهؤلاء بالتعليمات بل عليهم الحديث مع زعمائهم فهم لا ينصتون سوى لهم”.
ويعتبر الحريديم ممن يسكنون في حي ميئاه شعاريم بالقدس المحتلة أن الدولة لم تتأسس في الوقت الصحيح، وكان على السياسيين انتظار مجيء المسيح لإقامة الدولة وبناء الهيكل الثالث، لذا فإن الدولة الحالية بمنظورهم حرام وغير شرعية. ويعتقد هؤلاء أنه لولا صلاتهم ودعواتهم وحبهم للتوراة ما كانت دولة إسرائيل قائمة حتى الآن.
ويدفعهم دائما هذا التزمت للتهجم على الدولة ورموزها، ولعل انطلاقهم بشتم الشرطة -التي انتشرت للحد من تحركهم في أحيائهم مؤخرا بسبب تفشي الفيروس- بكلمة “نازيين” كانت من أسوأ الشتائم في تاريخ المجتمع الإسرائيلي، حسب الباحث مصالحة.
ومع تفشي الفيروس في أحياء الحريديم ورفضهم الامتثال لتعليمات الجهات الرسمية، تعززت الكراهية، خاصة أن الحكومة أمرت بإغلاق المدارس الدينية وبرك “الطهارة العامة” التي يرتادها الحريديم للتطهر حسب طقوسهم.
وفي تعليقه على ذلك، يقول الباحث “أقسى صفعة تلقاها الحريديم عندما أغلقت المدارس الدينية، لأن الرجال لا يعودون لمنازلهم منها إلا نادرا، ونشأت مشاكل اجتماعية كبيرة على إثر ذلك”.
ومع إغلاق هذه البرك، تعاظمت الأزمة لأنه يُحرّم على المرأة الحريدية الجماع مع زوجها بعد انتهاء الدورة الشهرية قبل التطهر في برك الطهارة العامة التي أنشئت خصيصا بهذه التجمعات، حسب مصالحة.
وليس التطهر في البرك والمكوث في المدارس الدينية طيلة الوقت أغرب الطقوس لدى الحريديم. ولعل حلق المرأة لشعر رأسها بمجرد الزواج وتحريم إطالته مرة أخرى من أكثر الطقوس استهجانا.
وعن هذا الفرض الديني، علق مصالحة “ينظر للشعر كإغراء للرجل فيجب حلقه وترتدي المرأة بدلا منه الباروكة أو غطاء الرأس كي لا تصبح مغرية لرجل غير زوجها”.
الدولة والعلمانيون
وللإضاءة على جانب انخراط المتدينين بالخدمة العسكرية وسوء علاقتهم مع العلمانيين، قال المستشار الإعلامي المختص بالشأن الإسرائيلي محمد مصالحة إن مجموعات قليلة لا تساوي ربع الحريديم ممن يخدمون بالجيش، وحسب شروطهم فإنهم يكونون في وحدات خاصة لا يوجد فيها اختلاط مع المجندات، وأهم الوحدات التي ينخرطون بها وحدة “ناحل”.
وأضاف أن بقية الشبان يلجؤون للمعاهد الدينية للفرار من الخدمة العسكرية الإجبارية، وأن عدد الشبان الحريديم المطلوبين للخدمة العسكرية يتجاوز النصف مليون، لكن عدد من انخرطوا بالخدمة لا يتجاوز 130 ألفا.
ويحصل كل شاب يلتحق بالمعاهد الدينية على راتب شهري بواقع 4000 شيكل (1140 دولارا) طيلة مدة دراسته التي قد تصل إلى ثلاثة أعوام، وبعدها تسقط عنه الخدمة الإجبارية.
وهذه إحدى النقاط التي عززت الكراهية بينهم وبين العلمانيين الذين يعتبرون أن المتدينين عالة على الدولة لحصولهم على ميزانيات ضخمة وفي المقابل لا يعملون ولا يخدمون بالجيش.
وعلق الباحث على ذلك بقوله إن فيروس كورونا كشف عمق الكراهية العقائدية بين الشرائح اليهودية المختلفة، خاصة مع إقدام الحريديم على الانتشار بالشوارع والأماكن العامة من منطلق أن الله والمسيح المنتظر سينجيانهم من الفيروس، وليس “دولة الكفر العلمانية”.
وبسبب تصرفاتهم المتجاهلة لجدية الأزمة اضطرت الشرطة للتدخل وفرض حالة الإغلاق على أحيائهم، ووضع سياج بين مدينة رامات غان العلمانية ومدينة بني براك المتدينة، الأمر الذي أدى لاندلاع أزمة كبيرة بين هاتين الفئتين بالمجتمع الإسرائيلي.