حكايات المداخلة
هذا تعليق مقتضب خفيف، وبحث موجز لطيف، يسلط الضوء على ظاهرة متفشية لم تبق منطقة عن منأى من شرورها، وسمومها.. فأحببت أن ادلو بدلوي القصير رغبة مني في تدليل منهجهم وتقريب عقليتهم لمن لم يسعفه الحظ في الاطلاع عن مآسيهم من كتبهم وعن شيوخهم، كيلا يغتر بألسنتهم السليطة وطعوناتهم الكثيرة فيستسهل الطعن واللعن والسب والشتم.
فتسميتهم بالمداخلة صار علما يطلق على اتباع السلفية الجامية الربيعية الرسلانية الفركوسية بالغلبة نسبة الى الشيخ المؤسس الذي يعد عند أتباعه وحيد دهره وأويس زمانه وأمير قطره ونحن لا ننقص منه ابدا ولا نقبل فيه طعنا من أي كان، لأن مثله موجود في كل زمان ومكان، فرحم الله امرأ عرف زمانه واستقامت طريقته.
لكن ما يثير الافئدة ويحبس الانفاس هو ظهور نابتة من مختلف أبناء الطوائف الاسلامية فكدنا نعتاد طعونات وشتائم لم تكن خلقا لسلفنا ولا سمة لخلفنا.
نسمع ونرى العجب العجاب، من قوم لا يعجبهم العجب بل ولا الصوم في رجب ورحم الله القائل: عش نهار تسمع خبار
حالهم لخصه القائل بقوله:
أبت شفتاي اليوم الا تكلما
بشر فما أدري لمن أنا قائله
فمن الغرابة أن تأبى فعلا من غيرك وتفرح به فيه. وقديما قيل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك اذا فعلت عظيم
أيها الطالب ليكن في علمك أن لحوم العلماء محرمة أيا كانت ومسمومة حيثما انتهكت، سواء اكان المأكول حنبليا أو أشعريا أو ماتريديا..متقدما أو متأخرا..سلفيا أو حركيا تبليغيا أو صوفيا..فالاسماء لا تهم ،إن هي الا أسماء سميتموها.
أقول هذا لأنني لا أكتب لاعجاب الغير بقدر ما أحاول قدر الامكان أن أجسد وضعا معيشا أرى فيه العداوة تستشري والبغضاء تستحوذ والعلاقات تتمزق والاحوال تتغير والقلوب تتباعد والولاء والبراء يلك على ألسنة الناس ظلما وزورا ، ويعقد لأجل الجماعة الفلانية والحزب الفلاني، وكل يدعي الحق والحقيقة، والسنة والجماعة والطائفة المنصورة.
ان الامة في حاجة الى شباب متعلمين مجتهدين مخلصين يستفرغون جهدهم للدفاع عن حمى أوطانهم ودينهم بكل صدق وعدل، وصد عدوان الالحاد والاستشراق الذي غزا فكرنا وثقافتنا فأصبحنا لا نميز بين غث وسمين ولا بين حابل ولا نابل ولا قنابل كل شيء أمامك فهو متاح و صالح لنا ولو فات أجله وانتهى وقته.
وما يثير الاشمئزاز ويأخذ بالألباب صنيع المداخلة مع مخالفيهم بحيث تراهم سلما لأعداء الله وحربا على أوليائه، لا يسلم منهم عالم فضلا عن مسلم، مجالسهم تعج بكثرة القيل والقال والسؤال عن ما لا ينفع ولا يدفع، والتفكه بأعراض الائمة، والفرح بأمراض الامة ،وتصيد زلات وهنات العامة، و ماذا قيل في فلان هل زكاه شيخنا أم جرحه، سيماهم الجرح والتجريح، والاشتغال بالردود واغفال المردود، والتركيز على الحواشي لكن المهم لا شيء، ولسان حالهم من ليس معنا فهو ضدنا، فالحق ما قاله فلان والضلال ما رد عليه علان، وكأنهم يجسدون فكرة شعب الله المختار، فالحق عندهم يعرف بالرجال، وهذا لعمري هو الدجل والقول على الله بالباطل، وتصنيم المشايخ والتحاكم اليهم والتعصب الى أقوالهم وعقد الموالاة على حبهم والتبرؤ من أعدائهم في زعمهم.
وقد عشنا في زمان صار المقسم يقبل التقسيم على أكثر من اثنين فظهر هؤلاء في الاونة الاخيرة بمسميات عديدة منها: الصعافقة وهم أتباع عبيد الجابري السعودي
والمصعفقة وهم اتباع محمد المدخلي السعودي
والرسلانيون وهم اتباع محمد رسلان المصري
والفراكسة اتباع فركوس الجزائري
وكل هذه الاصناف تدخل تحت مسمى واحد وراية واحدة حاملها الشيخ ربيع المدخلي.
لذا وجب العمل على تحصين شبابنا من هذه الخطابات العوجاء الشوهاء، وتوعية العوام من خطورة اسقاط القدوات (العلماء، الفقهاء، الصلحاء) وزرع ثقافة الاختلاف ليسعنا مع وسع سلفنا الصالح، وتكثيف الجهود لتطهير المجتمع من هذا الدرن الماحق الذي لا يبقي ولا يذر.
فالمتأمل في حال هؤلاء يجد أنهم نتاج توجه سياسي لا تراثي ولا اسلامي، ظهروا بعد فواجع سياسية، وخلو الساحة من القادة، فأعطوا مناصب قيادية ليصوبوا سهامهم تجاه العلماء والصلحاء، تأليفا و صوتا وصورة.
فانتشر فكرهم كالنار على الهشيم في بقاع الارض كلها شرقا وغربا متسلحين بالمال وما وجدوه من فراغ لدى الشباب ،ومحبة الناس للاطلاع على كل تغيير، فالجديد دائما لذيذ ولو كان قطعة من حديد ، والفراغ يملؤه كل شيء يسبق اليه.
اتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبا خاليا فتمكنا
وخلاصة الكلام أن هذه أراء معروفة، ودفاعات موهومة، فنسأل الله أن تبقى بلداننا منهم محروسة، رغم ما ذقنا من مرارتهم في مغربنا وسمعنا ما يسوء في مشرقنا، فهذا يطعن في هذا العالم والاخر يستهزئ بذاك العالم، ونسي ان العلماء كلهم يأخذون من مشكاة واحدة، يختلفون في الوسائل ويتفقون في الغايات.
ويكفي ان العذر لأهل الاعذار مطلوب، والبحث عن الاخطاء ليس بمرغوب
والعفو في حقهم ملتمس والزلل في بحرهم منغمس، والماء اذا بلغ القلتين لا يحمل الخبث، ومن تتبع الهانات والزلات والعورات هان عليه ذلك حتى يفضحه الله دنيا وأخرى.
فاتقوا الله في العلماء واجعلوا نشاطكم طاقة لا طلقة، واعلموا أنكم موقفون معهم بين يدي الديان في يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم، فان لم تستطعوا المدح فكفوا ألسنتكم عنهم.
أقلوا علي اللوم لا ابا لابيكم::
من اللوم او سدوا المكان الذي سدوا
رشيد بلحيسن